كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فهذا مثال ما ثبت بالسنة من قبو ل قول المذكورين.
ومثال ما دل عليه القرآن من ذلك قبو ل قول الحكمين في المثل في جزاء الصيد. لأن الله نص عليه في قوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُم} [المائدة: 95] الآية.
وهكذا كل من ذكروا. فإن قبو ل قولهم: إنما صح بدليل شرعي يدل على قبوله من كتاب أوسنة أوإجماع.
مع أن الإخبار عن جميع ما ذكر إخبار عن محسوس. والتقليد الذي استدلوا به عليه إخبار عن معقول مظنون.
والفرق بين الأمرين قدمناه قريبًا. فليس شيء من ذلك تقليدًا أعمى بدون حجة.
وأما استدلالهم على التقليد المذكور بجواز شراء اللحوم والثياب والأطعمة وغيرها من غير سؤال عن أسباب حلها اكتفاء بتقليد أربابها.
فهو ظاهر السقوط أيضًا.
لأن الاكتفاء بقول الذابح والبائع ليس بتقليد أعمى في حكم ديني لهما.
وإنما هو عمل بالأدلة الشرعية. لأنها دلت على أن ما في أسواق المسلمين من اللحوم والسلع محمول على الجواز والصحة. حتى يظهر ما يخالف ذلك.
ومما يدل على ذلك. ما صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت إن قومًا قالوا يا رسول الله: إن قومًا يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال: «سموا عليه أنتم وكلوا». قال: وكانوا حديثي عهد بالكفر قال المجد في المنتقى بعد أن ساق الحديث: رواه البخاي والنسائي وابن ماجه. وهودليل على أن التصرفات والأفعال تحمل على حال الصحة والسلامة إلى أن يقوم دليل الفساد.
اه منه.
وقد أجمع العلماء على هذا. فالعمل به عمل بالدليل الشرعي.
لأن الله لوكلف الناس ألا يشتري أحد منهم شيئًا حتى يعلم حليته لوقعوا في حرج عظيم تتعطل به المعيشة. ويختل به نظامها.
فأجاز الله تعالى ذلك برفع الحرج كما قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدين مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] فالاستدلالا به على التقليد الأعمى فاسد. لأنه اخذ بالحجة والدليل. وليس من اقتليد.
وأما استدلالهم على التقليد بأن الله لوكلف الناس كلهم الاجتهاد. وان يكونوا علماء ضاعت مصالح العباد. وتعطلت الصنائع والمتاجر. وهذا مما لا سبيل إليه شرعًا وقدرًا.
فهو ظاهر السقوط أيضًا.
ومن أوضح الأدلة على سقوطه أن القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير. لم يكن فيهم تقليد رجل واحد بعينه هذا التقليد الأعمى.
ولم تتعطل متاجرهم ولا صنائعهم. ولم يرتكبوا ما يمنعه الشرع ولا القدر بل كانواكلهم لا يقدمون شيئًا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وكان فيهم علماء مجتهدون يعلمون بالكتاب والسنة ويفتون بهما.
وكان فيهم قوم دون رتبتهم في العلم. يتعلمون من كتاب الله وسنة رسوله ما يحتاجون للعمل به في أنفسهم. وهم متبعون لا مقلدون.
وفيهم طائفة أخرى. هي العوام لا قدرة لها على التعلم.
وكانوا يستفتون فيما نزل بهم من النوازل من شاءوا من العلماء وتارة يسألونه عن الدليل فيما أفتاهم به.
وتارة يكتفون بفتواه ولا يسألون ولم يتقيدوا بنفس ذلك العالم الذي استفتوه.
فإذا نزلت بهم نازلة أخرى. سألوا عنها غيره من العلماء إن شاءوا.
ولا إشكال في هذا الذي مضت عليه الصحابة والتابعون وتابعوهم. ولا يلزمه تعطيل صنائع ولا متاجر. ولا يمنعه شرع ولا قدر.
فكيف يتسدل منصف للتقليد الأعمى. بأن الناس لو لم ترتكبه لوقعوا في المحذور المذكور.
وعلى كل حال فكل عاقل لم يعمه لاتعصب. يعلم أن تقليد إمام واحد بعينه. بحث لا يترك من أقواله شيء. ولا يؤخذ من أقوال غيره شيء. وجعل أقواله عيارًا لكتاب الله وسنة رسوله فما وافق أقوالهمنهما جاز العمل به. وما خالفها منهما وجبا اطراحه. وترك العمل به لا وجه له أبتة.
وهومخالف لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة والتابعين وتابعيهم وإجماع الأئمة الأربعة.
فالواجب على المسلمين تعلم كتاب الله وسنة رسوله. والعمل بما علموا منهما.
والواجب على العوام الذين لا قدرة لهم على التعلم سؤال أهل العلم. والعمل بما أفتوهم به.
وسيأتي لهذا زيادة إيضاح وإقناع للمنصف في التنبيهات الآتية إن شاء الله تعالى.
وقد بينا هنا بطلأن جميع الحجج التي يحتج بها المقلدون التقليد المذكور. وما لم نذكر من حججهم. قد أوضحنا رده وإبطاله فيما ذكرنا.
تنبيهات مهمة تتعلق بهذه المسألة:
التنبيه الأول:
اعلم أن المقلدين. اغتروا بقضتين ظنوهما صادقتين. وهما بعيدتان من الصدق. وظن صدقهما يدخل أوليًا في عموم قوله تعالى: {إَنَّ الظن لاَ يُغْنِي مِنَ الحق شَيْئًا} [يونس: 36] وقوله صلى الله عليه وسلم: «أياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث»
أما الأولى منهما فهي ظنهم. أن الإمام الذي قلدوه لابد أن يكون قد اطعل على جميع معاني كتاب الله. ولم يفته منها شيء وعلى جميع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفته منها شيء.
ولذلك فإن كل آية وكل حديث قد خالفا قوله فلا شك عندهم أن ذلك الإمام اطلع على تلك الية وعلم معناها. وعلى ذلك الحديث وعلم معناه.
وأنه ما ترك العمل بهما غلا لأنه اطلع على ما هو أقوى منهما وأرجح.
ولذلك يجب تقديم ذلك الأرجح الذي تخيلوه شيء من الوحي الموجود بين أيديهم.
وهذا الظن كذب باطل بلا شك.
والأئمة كلهم معترفون بأنهم ما أحاطوا بجميع نصوص الوحي. كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله.
ومن ًارح ذلك أن الإمام مالكًا رحمه الله. إمام دار الهجرة المجمع على علمه وفضله وجلالته. لما أراد أبو جعفر المنصور أن يحمل الناس على العمل بما جمعه في موطئه لم يقبل ذلك من أبي جعفر ورده عليه.
وآخِره أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في أقطار الدنيا. كلهم عنده علم ليس عند الآخرة.
ولم يجمع لأحديث جمعًا تامًا بحيث أمكن جمع جميع السنة إلا بعد الأئمة الأربعة.
لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تفرقوا في أقطار الدنيا روي عنهم كثير من الأحاديث لم يكن عند غيرهم. ولم يتيسر الاطلاع عليه إلا بعد أزمان.
فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو عجز عن أن يفهم معنى الكلالة حتى مات رضي الله عنه.
وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا فبينها له ولم يفهم.
فقد ثبت عنه رضي الله عنه أنه قال: ما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة. حتى طعن بإصبعه في صدري. وقال لي «يكفيك آية الصيف في آخر سورة النساء»
فهذا من أوضح البيان. لأن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بآية الصيف {إِن امرؤ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ ولد} [النساء: 176] والآية تبين معنى الكلالة بيانًا شافيًا. لأنها أوضحت أنها: ما دون الولد والوالد.
فبينت نفي الولد بدلالة المطابقة في قوله تعالى: {ولهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَك} [النساء: 176]. لأن ميراث الأخت يستلزم نفي الولد.
ومع هذا البيان النبوي الواضح لهذه الآية الكريمة. فإن عمر رضي الله عنه لم يفهم.
وقد صح عنه أن الكلالة لم تزل مشكلة عليه.
وقد خفي معنى هذا أيضًا على أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال في الكلالة: أقول فيها برأيي. فإن كان صوابًا فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان. هو ما دون الولد والوالد.
فوافق رأيه معنى الآية.
والظاهر أنه لوكان فاهمًا للآية لكفته عن الرأي.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم بأن في الآية كفاية عن كل ما سواها في الحكم المسؤو ل عنه.
ومما يوضح ذلك أن عمر طلب من النبي صلى الله عليه وسلم بيان الآية.
وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز في حقه صلى الله عليه وسلم.
فما أحال عمر على الآية إلا لأن فيها من البيان ما يشفي ويكفي.
وقد خفي على أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم «أعطى الجدة السدس حتى أخبره المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس» فرجع إلى قولهما.
ولم يعلم عمر رضي الله عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم: قضى في دية الجنين بغرة عبد أو وليدة حتى أخبره المذكوران قبل.
ولم يعلم عمر رضي الله عنه بأن المرأة ترث من دية زوجها. حتى أخبره الصحاك بن سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب غليه: أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها.
ولم يعلم أيضًا باخذ الجزية من المجوسي حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف. بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر.
ولم يعلم بحكم الاستئذان ثلاثًا حتى أخبره أبو موسى الأشعري وأبوسعيد الخدري رضي الله عنه.
ولم يعلم عثمان رضي الله عنه بوجبوالسكنى للمتوفى عنه حتى أخبرته قريعة بنت مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم ألزمها بالسكنى في المحل الذي مات عنها زوجها فيه حتى تنقضي عدتها.
وأمثال هذا أكثر من أن تحصر.
فهؤلاء الخلفاء الراشدون وهم همن خفي عليهم كثير من قضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحاديثه مع ملازمتهم له. وشدة حرصهم على الأخذ منه.
فتعلموه ممن هودونهم في الفضل والعلم.
فما ظنك بغيرهم من الأئمة الذي نشأوا وتعلموا بعد تفرق الصحابة في أقطار الدنيا؟
وروي عنه الأحاديث عدو ل من الأقطار التي ذهبوا إليها؟
والحاصل أن ظن إحاطة الإمام بجميع نصوص الشرع ومعانيها ظن لا يغني من الحق شيئًا. وليس بصحيح قطعًا.
لأنه لا شك أنه يفوته بعض الأحاديث فلم يطلع عليها ويرويه بعض العدو ل عن الصحابة فيثبت عند غيره. وهو معذور في ترك العمل به. بعدم اطلاعه عليه مع أنه بذل المجهود في البحث.
ولذا كان له أجر الاجتهاد والعذر في الخطأ.
وقد يكون الإمام اطلع على الحديث. ولكن السند الذي بلغه به ضعيف فيتركه لضعيف السند.
ويكون غيره اطلع على رواية أخرى صحيحة يثبت بها الحديث فهو معذور في تركه. لأنه لم يطلع إلا على السند الضعيف ولم تبلغه الطريق الصحيحة الأخرى.
وقد يترك الحديث لشيء يظنه أرجح منه. ويكون الواقع أن الحديث أرجح من ذلك الشيء الذي ظنه لقيام أدلة أخرى على ذلك لم يطلع عليها. إلى أسباب أخر كثيرة. كترك الأئمة للعمل ببعض النصوص.
وبهذا كله تعلم أن ظن اطلاع الإمام على كل شيء من أحكام الشرع وإصابته في معانيها كلها ظن باطل.
وكل واحد من الأئمة يصرح ببطلأن هذا الظن كما سترى إيضاحه إن شاء الله.
فاللازم هو ما قاله الأئمة أنفسهم رحمهم الله من أنهم قد يخطئون ونهوا عن اتباعهم في كل شيء يخالف نصًا من كتاب أوسنة.
فالمتبع لهم حقيقة. هو من لا يقدم على كتاب الله وسنة رسوله شيئًا.
أما الذي يقدم أقوال الرجال على الكتاب وصحيح السنة. فهو مخالف لهم لا متبع لهم.
ودعواه اتباعهم كذب محض.
وأما القضية الثانية:
فهي ظن المقلدين أن لهم مثل ما للإمام من العذر في الخطأ.
وإيضاحه: أنهم يظنون أن الإمام لوأخطأ في بعض الأحكام وقلدوه في ذلك الخطأ يكون لهم من العذر في الخطأ والأجر مثل ما لذلك الإمام الذي قلدوه.
لأنهم متبعون له فيجري عليهم ما جرى عليه.
وهذا ظن كاذب باطل بلا شك. لأن الإمام الذي قلدوه بذلك جهده في تعلم كتاب الله وسنة رسوله وأقوال أصحابه وتفاويهم.
فقد شمر وما قصر فيما يلزم من تعلم الوحي والعمل به وطاعة الله على ضوء الوحي المنزل.
ومن كان هذا شأنه فهو جدير بالعذر في خطئه والأجر في اجتهاده.
وأما مقلدوه فقد تركوا النظر في كتاب الله وسنة رسوله وأعرضوا عن تعلمهما إعراضًا كليًا مع يسره وسهو لته ونزلوا أقوال الرجال الذين يخطئون ويصيبون منزلة الوحي المنزل من الله.
فأين هؤلاء من الأئمة الذي قلدوهم؟
وهذا الفرق العظيم بينهم. وبينهم. يدل دلالة واضحة. على أنهم ليسوا مأجورين في الخطأ في تقليد أعمى إذ لا اقتداء ولا أسوة في غير الحق.
وليسوا معذورين لأنهم تركوا ما يلزمهم تعلمه من أمر الله ونهيه على ضوء وحيه المنزل.
والذي يجب عليهم من تعلم ذلك. هو ما تدعوهم الحاجة للعمل به. كأحكام عباداتهم ومعاملاتهم.
وأغلب ذلك تدل عليه نصوص واضحة. سهلة التناول من الكتاب والسنة.
والحاصل أن المعرض عن كتاب الله. وسنة رسوله المفرط في تعلم دينه. مما أنزل الله. وما سنه رسوله. المقدم كلام الناس على كتاب الله. وسنة رسوله. لا يكون له ألبتة ما للإمام الذي لم يعرض عن كتاب الله وسنة رسوله. ولم يقدم عليهما شيئًا ولم يفرط في تعلم الأمر والنهي من الكتاب والسنة.